Translate

05‏/11‏/2008

المهمشون على الارض



لافا خالد - الجزيرة توك - القامشلي - سوريا


فئة كبيرة تعيش خلف الكواليس وفي الهوامش, تائهون حتى في أجسادهم , يعيشون الخوف
والتوتر والمستقبل المجهول في مجتمع لا يرحم أحدا, عاشوا محرومين من مختلف الحقوق
وأهمها حق الرعاية الصحية , لا يعرفون حقيقة ماذا يريدون لأنهم ومنذ البداية وجدوا أنفسهم
مهمشين , القضية ليست خاصة بمن يعبثون بخلق الله أو ما تسمى حالات التغيير الجنسي ,
المشكلة بدأت بحالة صادفتها كنا نسمع عنهم في السابق ولكن لم نسمع أحدا تطرق لوضعهم بغية
المساعدة في العلاج الصحي والإدماج الصحيح في المجتمع , حين البحث اكتشفت كم من حالات
تعيش قصصا مؤثرة في مجتمع لا ينظر للمرأة إلا ضلعا قاصرا دوما, إنهن فتيات ولدن في حالة
خلقية غير مكتملة النمو, وبتعبير آخر يعشن حالة لا استقرار نتيجة خلل هرموني, وهن لسن
محسوبات على الذكورة ولا عالم الأنوثة في عوالمهم الداخلية ,تسائلت في نفسي أولا, كيف تعيش
أو يعيش هكذا أشخاص في مجتمع كل شيء فيه خط أحمر وحساس وغير قابل للحديث والتقبل
أصلا , ماذا لو وضع أي أحد منا نفسه مكان عائلة هؤلاء الأشخاص أوحتى الأشخاص المرضى
أنفسهم ؟ كيف سيكون شعوره لو تحولت أخته لذكر أو تحول أخوه لأنثى ؟

ما طبيعة هذا المرض الذي يشعر فيه المرء بأنه حبيس في جسد غير جسده؟ هل الأعداد كثيرة في
مجتمعنا وهل من إحصاءات رسمية بذلك ؟ كيف يقرأ الطب حقيقة هذه المشكلة المرضية ؟ وكيف
يتحدد جنس الإنسان ؟ وماذا يقول الشرع في عمليات التصحيح الجنسي ؟وكيف يعيش أصحاب
المشكلة التجربة الصعبة ؟

ثلاث فتيات وافقن على الحديث اخترتهم من بين العشرات ممن يعيشون هذه الحالة المرضية
وبصمت عشت تجربتهن , تحسست معاناتهم , آلامهم , آمالهم , حياتهم الخاصة وتجربتهن مع حياة
كانت ولازالت قاسية بكل المعايير وتساءلت في نفسي وأنا أعايش هذه الحالات هل تصور أحد ما
ذات مرة أن يقابل فتاة كاملة الأنوثة يمكن أن تصبح رجلا وكيف سيتصرف إزاء الموقف , وكذلك
الأمر مع رجال تحولوا إلى أنثى , حقيقة الأمر الموضوع لم يكن تصورا أو حالات افتراضية , إنهم
أشخاص حقيقيون يعيشون بيننا , يعانون اضطرابات في الهويّة الجنسية، يجعل المصاب به يعتقد
أنّه من الجنس المعاكس يستمرّ هذا المرض لسنوات طوال، وعلى الأغلب العمر كلّه، مع خطورة
تطوّر الاكتئاب والوصول به إلى الانتحار، وهو يبدأ في مرحلة مبكرة قبل البلوغ إذ لا علاقة له
بالرغبات الجنسيّة، ويستمر حتى إجراءا لجراحة , فهم مرضى يمكن أن تصحح أوضاعهم بسهولة
إذا ما تم تدارك وضعهم بوعي كما قال لنا الطبيب إبراهيم حسن , يضيف : الحالات كثيرة وإن
غابت مؤشرات الأرقام نتيجة غياب الإحصاءات الرسمية ونتيجة التكتم الشديد من قبل الأهالي و
أصحاب المشكلة أنفسهم الذين يعيشون حالة الاضطراب الشديد بين أن يتحولوا كليالذكر أو أنثى



أما كيف يتم تحديد جنس الإنسان أجاب :

إن الجنس يتحدد عن طريق خمس خطوات إذا اختلت إحداها اختل الجنس البشري‏,‏ الخطوة الأولي
هي الجنس الجيني‏,‏ ويتحدد منذ بداية التلقيح

أما الخطوة الثانية فهي الجنس التناسلي‏..‏ أو الناتج عن الأعضاء التناسلية‏,‏ والتي تختلف من
الرجل إلي المرأة‏.‏

ويضيف أنه بتحديد الخطوتين السابقتين يكون الجنس المخي هو الخطوة الثالثة‏,‏ والذي تتحكم فيه
عوامل هرمونية ونفسية‏,‏ وشفرات معينة في المخ لم يتوصل العلم إلي معرفة أسباب اختلالها حتي
الآن‏,‏ وبعد هذه الخطوات تبقي لدينا خطوتان من خطوات تحديد الجنس‏,‏ وهما الجنس النفسي
والجنس الاجتماعي الخاص بأسلوب التنشئة و التربية الاجتماعية‏.‏

وثمة تشوهات خلقية يؤدي إلي عدم وضوح شكل الأعضاء التناسلية في الجنين‏,‏ ومن ثم تختل
إحدى خطوات تحديد الجنس لينشأ ما يعرفه العلم باسم‏'‏ حالات الخنثي.‏

ويضيف أن للخنثي نوعين‏:‏ خنثي حقيقية وهي نادرة جدا حيث لايزيد معدلها عن واحد لكل مليونين‏,‏
وفيها يمتلك الشخص جهازا تناسليا أنثويا كاملا‏'‏ رحم ومبيضين والعضو الأنثوي‏',‏ وفي الوقت ذاته
لديه جهاز تناسلي ذكري كامل‏'‏ خصيتان‏,‏ بروستاتا والعضو الذكري‏'.‏

أما النوع الثاني من الخنثي فيسمي الخنثي الكاذبة وهي شائعة‏,‏ ويكون فيها الجنس الحقيقي غير
الجنس الظاهر‏,‏ بمعني أن يكون ظاهره أنثي لكنه في حقيقته ذكرا‏,‏ أو أن يكون ظاهره ذكرا ولكنه
في حقيقته أنثي‏,‏ وهنا لابد من اللجوء إلي الجراحة لتعديل هذا المسار الخاطئ والذي تؤكده الطبيعة
التي تعلن عن نفسها وتفرض وجودها‏.‏

والتداوي أكثر من سهل إذا ما تجاوز الأهل عقدة الخوف من المجتمع , حقيقة إجراء جراحات
تحويل الذكر إلي أنثي تكون أكثر سهولة من الناحية الجراحية لأنها تعتمد علي التخلص من أعضاء
وتخليق أعضاء أخري‏,‏ أما في حالات تحويل الأنثى إلي ذكر فيكون الأمر أكثر صعوبة نظرا
لاستخدام أجهزة تعويضية تحل محل العضو الذكري ولذلك فإن هذه الجراحة تعد من الجراحات
الصعبة والمعقدة وإن لم تكن مستحيلة‏,‏ إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود مراكز
متخصصة لعلاج هكذا حالات في المدن البعيدة عن العاصمة

أسباب شيوع حالات المخنثين خلقيا

تقول الطبيبة جيهان العظم إن الأسباب التي تؤدي إلي حدوث التشوهات في الأعضاء التناسلية
للأجنة والتي تنتج عنها حالات الخنثي و بالتالي زيادة أعداد المتحولين أو ممن يصححون مشكلتهم
الحلقية كثيرة يتعلق أغلبها بالأغذية المطعمة بالهرمونات والتي تؤدي إلي حدوث خلل في هرمونات
الجنين وهو ما يؤدي إلي تشوه أعضائه التناسلية‏,‏ ومن هذه الأغذية الفراخ البيضاء والمواشي
التي تتغذي علي أعلاف بها هرمونات‏,‏ وكذلك في الفواكه المطعمة بالهرمونات‏.‏

وتضيف أن تناول الأم أثناء فترة الحمل المبكرة الثلاثة أشهر الأولي‏,‏ لأدوية تحتوي علي هرمونات
أنوثة وأكثرها شيوعا حبوب منع الحمل‏,‏ هي التي تؤدي إلي ظهور الأنوثة علي الذكور حيث تؤثر
هذه الحبوب علي عملية تخليق وتطور الأعضاء التناسلية في الجنين فتؤدي إلي حدوث تشوهات
خلقية فيها‏.‏

ويضاف إلي هذين السببين الرئيسيين التعرض للملوثات البيئية في الهواء و الماء‏,‏ وتعرض الأم
للأشعة أثناء فترة الحمل الأولي‏.‏

حالات تعيش في الظل

شيماء (32) عاما فتاة جميلة المظهر , مضطربة الحركات كثيرا , لا تظهر للآخرين حقيقة ما
تعانيه ,تخرج مع الفتيات للمناسبات والأفراح , تعيش عالم الأنوثة بكل تفاصيلها الخارجية سألتها
كيف عرفت حقيقة وضعها وما الشعور الذي تتحسسه ؟ قالت وبألم كبير إنها ومنذ سنوات الطفولة
كان تسمع من والديها إنها تعيش مشكلة خاصة, مع مرور السنوات بدأت أفهم إنني لست مثل
أخوتي البنات أو الذكور لكن لا أتذكر إن أحدا ما اهتم بوضعي إلا قبل خمس سنوات من الآن أتذكر
إن والدي كان يقول لوالدتي إنني ربما أكون ولدا وليس بنتا , عشت هذا الاضطراب هل أنا ذكر أم
أنثى مع ميولي لعالم الأنوثة كليا , كبرت على هذه المشكلة ولم يكترث أهلي حقيقة ما أعانيه , وأنا
عزلت نفسي مبكرا حينما تركت مقاعد الدراسة خوفا من عيون الآخرين والسؤال الذي كان يقلقني
بأن كل الناس تعرف مشكلتي واتهامات البعض بأني لست ولدا ولا بنتاً , أخي حاول أن يساعدني
أخذني للطبيب مرتين وقال إن الموضوع قابل لأن تتحول شيماء إلى فتاة كما كل الأخريات , ولكن
سافر أخي الذي كان السند الوحيد لي وأعيش وضعي ومعاناتي لوجدي ولا انتظر في حياتي شيء
أتصور وقت كل شيء قد مضى !

أما التجربة الأخرى فهي مع الأختين عيدة وهناء من إحدى قرى محافظة الحسكة ( 44 عاما)
التوأمتين اللتين ولدتا ولا تعرفان هل هما ذكر أم أنثى , تقول عيدة , كبرنا مع المشكلة عرفنا إننا
نعاني ظرفا مختلفا عن الآخرين ونتيجة وفاة الوالد تدخل خالي ليأخذنا للطبيب ولكن والدتي رفضت
رفضا مطلقا خشية الفضيحة كما تصورت حينها وحتى الآن في أن تصبح هي وأطفالها أقصوصة
في قريتها والقرى المجاورة , لم تسمح للأختين أن يتداووا وهن إلى حين اللحظة يعشن القلق
والتوتر وحتى إن كن يكابرن كما أكدوا بأنفسهم ذلك ويعملن في أشغال النساء وحتى أعمال
الرجال , واحدة تذهب للحقل وتفلح الأرض بالآلة وهي بنفسها تقود الجرارة , والأخرى تعمل في
البيت ومع والدها في الحقل أيضا وتعمل في مختلف الأعمال السهلة والشاقة وتحمل البلوك مع
أخوها الذي يعمل في مجال البناء , تقول هناء : نسينا إننا نعيش وضعا خاصا لأننا عانينا كثيرا في
سنواتنا الأولى حين عرفنا حقيقة مشكلتنا , عانينا ظرفا نفسيا مؤثرا, وفوق ذلك نظرات الآخرين
كانت تحسسنا بأننا لسنا حتى بشرا , لان أحدا لم يفكر فينا , أنا وأختي نعيش وضعنا كما هو هذه
أول مرة أحد ما يسألنا كيف نعيش ؟

رأي الشرع :

يقول الشيخ محمد شريف: إذا كان موضوع الحديث عم عمليات التحويل الجنسي التي أخذها
الإعلام مادة للتداول فهذه مرفوضة جملة وتفصيلا , لأن من يتصرفون كذلك فهم يعبثون بخلق الله
والله جل جلاله خلق الإنسان في أحسن تقويم وإذا ما ابتلاه الله بمصيبة كمن يعيش مشكلة التخنث
أو اضطرابات في التكوينة الخلقية يجيز فيها الشرع والطب عملية التصحيح فهنا الموضوع جائز
أم غير ذلك فالأمر حرام ومرفوض أساسا

كلمة أخيرة

خاتمة القول إن هذه الفئة تحتاج الرعاية من الجميع وضرورة تقبل وضعهم كما كل الفئات الأخرى
التي تعيش ظروفا خاصة , إنهم بشر كما الجميع مشكلتهم إنهم ولدوا وعندهم مشكلة خلقية قابلة
للتصحيح فهم ليسوا شواذا‏,‏ بل إنهم ينتمون إلي الجنس الثالث الذي يمتلك فيه الذكر كل مقومات
الذكورة ومع ذلك يؤكد أنه امرأة حبيسة في جسد رجل‏,‏ ويصل به الأمر إلي حد كراهيته لنفسه
وكثيرة هي الحالات التي أنهت حياتها بالموت ونفس الحالة بالنسبة لفتيات كاملات الأنوثة
والإحساس بذلك ,ولكنها تعيش حالة مرضية تحتاج لجراحة بسيطة حتى يصحح كل وضعها , إنهم
فئةبحاجة للاهتمام ومن ثم إدماجهم الحقيقي في المجتمع أمانة في رقبة الجميع