Translate

31‏/01‏/2008

حفيظة.... رجل ام امرأة ؟؟

منقول عن صحيفة الجريدة المغربية


عندما التقت الجريدة حفيظة، كانت تفترش الأرض ملقاة على ظهرها بمستشفى ابن سينا بالرباط. كانت هائمة وثائرة كعادتها، تلاحق كل طبيب يلج المكان مستفسرة عن جديد حالتها. حفيظة خنثى حولتها سيطرة أسرتها عنوة إلى امرأة مع وقف التنفيذ. وقد حاولت أكثر من مرة أن تثبت لهم العكس، لكن دون جدوى. تمشي منتصبة القامة بلباسها الذكوري الذي لم تلجأ يوما لغيره... خشنة... متمردة...عنيفة... وحائرة، فهي لم تتذوق طعم راحة البال منذ أن أجريت لها عملية تغيير الجنس، والتي تحولت بمقتضاها إلى امرأة ضدا على ميولاتها وأحاسيسها ورغباتها التي تضعها أساسا في خانة عالم الرجال. حفيظة رجل يعيش في ثوب امرأة، أو بالأحرى برحم امرأة. ليس لها من عالم النساء سوى مهبل اصطناعي فرضته خارطة صبغية محيرة. ولها من عالم الرجال الغريزة والإحساس والميول، وهو ما جعلها تنحو لخيار الثورة على كل التقاليد والضوابط المجتمعية التي جعلتها في مفترق الطرق، فلا هي امرأة كاملة، ولا رجل حقيقي. إنها امرأة بالجنس فقط، ورجل فيما عداه. حفيظة، شخصية نمطية يمكن إسقاط ملامحها على أغلب حالات الخنثى التي تضيع في رحلة البحث عن الذات، وتعتصر في صمت من شدة نبذ الآخرين الذين ينظرون إليها بكثير من الازدراء. أملها في الحياة أن تعيش شخصا لا أن تكون نتيجة مجهولة لما ستؤول إليه عملية جراحية معينة. هي تريد أن تكون رجلا كاملا، لكن عائلتها أرادت العكس خوفا من تعقب نظرات الناس القاتلة، ساعتها صدر عليها حكم قاس بالضياع.
ما هو اسمك؟
حفيظة، حفيظ، عثمان… اختاري ما شئت.
رجل أم امرأة؟
حاليا رجل في شكل امرأة؛ أمام المجتمع أنا حفيظة، لكنني في الحقيقة حفيظ الذي يرفض أن يعترف به الآخرون، فكل تصرفاتي تدل على أنني رجل، إذ أفعل العديد من الأشياء التي هي في الحقيقة حكر على الرجال.
مثلا؟
ألبس لباس الرجال وأتسكع مثلهم في الشوارع ليل نهار، لا يهم. وطريقة كلامي خالية من كل أنوثة، ولم أضع يوما الماكياج على وجهي ولا تستهوني الفكرة حتى. أدخن وأتعطى الكحول والمخدرات وكل شيء. أكثر من ذلك، فإنني كأي رجل أعشق النساء وأحب أن أعاشرهن معاشرة الرجل للمرأة لا أن تربطني بهن مجرد علاقات صداقة عادية.
تعيش وسط أسرتك؟
أنا من مواليد الرباط عام 1975، وأعيش وسط أسرتي بحي يعقوب المنصور الشعبي، المتكونة من 7 إخوة، إضافة إلى الأم والأب. والدي متقاعد، وأمي ربة بيت.
كنت خنثى عند ولادتك؟
نعم، ولدت بنقص أو تشوه، لست أدري ماذا أسميه، وهنا اختلطت الأمور.
متى علمت أسرتك بأنك خنثى؟
بعد ولادتي، إذ كان لي عضو تناسلي ذكر ولم تكن خصيتاي ظاهرتين.
وماذا فعلت الأسرة؟
أجرت لي فحوصات وتحاليل طبية تم إرسالها الى الخارج، وبناء عليها تم تحديد خارطتي الصبغية وهي 46xx، وهذا يعني أنني أنثى، وبذلك حسمت أسرتي موقفها وتم تسجيلي في الحالة المدنية باسم حفيظة، انطلاقا مما ورد في خارطتي الصبغية.
إذن عشت المراحل الأولى من حياتك أنثى؟
أبدا، فقد بدأ يتضح منذ نعومة أظافري بأن لي سلوكات الأولاد، فلم أكن قط أهتم بالأشغال المنزلية مثل شقيقاتي، ولم أرتد تنورة في حياتي أو غيرها من لباس الفتيات، وكنت ألعب مع الأولاد فقط كل الألعاب الذكورية، وكلما تقدمت في السن إلا وازداد نضجي كرجل، فقد كنت سلطويا تجاه أخواتي.
كيف هي علاقتك بإخوتك؟
سيئة للغاية، فأنا لا أجالس شقيقاتي، لأن شؤونهن النسوية لا تهمني، كما لا تسري رياح الود على علاقتي بأشقائي الذكور لأنهم لا يفهمونني.
وكيف تعيش وسطهم؟
أنا عشت أغلب مراحل حياتي أتقلب بين المستشفيات، وخضعت لحد الآن لأزيد من 14 عملية جراحية، والأطباء احتاروا في أمري ولم يستطيعوا تحديد جنسي؛ فخارطتي الصبغية تدل على أنني أنثى(46xx)، لكن ملامحي وسلوكاتي وأحاسيسي تشير بالعكس، وهو ما يفسر علاقاتي بالفتيات. وقبل أن أخضع للعملية التي حولت جهازي التناسلي إلى جهاز أنثوي، كنت أعاشر النساء، وسبق أن افتضضت بكارة إحداهن، وهذا ما زاد من إصراري ويقيني على أنني رجل وليس امرأة. أكثر من ذلك، فقد تم ختاني في سنة 1985، وبعد ذلك بدأت أحس بآلام حادة في جانبي الأيسر، وبدأت مع هذا الألم سلسلة من الفحوصات والعمليات التي زادت من عدوانيتي، فقد مللت الصعود والهبوط بمختلف المستشفيات، وأحسست في لحظة أنني حقل تجارب، كل طبيب يدلي بدلوه دون أن يعير أحد أهمية لما أعانيه. كان أمر ازدواج جنسي مصدر عقدة بالنسبة لي،إذ لم أكن ألج الحمام الشعبي، ليس لأنني لا أريد ذلك ولكن لأنني لا أقدر على مواجهة الآخرين، فأنا حفيظة بالنسبة للجيران والمعارف، لكن دخولي حمام النساء سيفضح أمري... ولم أكن أيضا أذهب للبحر خوفا من نظرات الناس.
هل فكرت في إجراء عملية تغيير الجنس؟
في سنة 1990، حكت شقيقتي قصتي لأحد الأطباء وطلب منها إحضاري لإجراء فحص طبي، وبالفعل تم ذلك. الطبيب طلب إعادة إجراء بعض التحاليل لتحديد خارطتي الصبغية من جديد، وكانت النتيجة مرة أخرى 46 xx أي أنني أنثى، وفي سنة 1993 خضعت لعملية تغيير الجنس بمستشفى ابن سينا بالرباط.
تم تحويلك إلى امرأة؟
بالفعل، فقد زرعوا لي مهبلا اصطناعيا.
هل تدخلت في تحديد الجنس الذي تحولت إليه؟
سألني الطبيب: هل تريد أن نزيل قضيبك ونزرع لك رحما لتتحول نهائيا إلى امرأة؟ ترددت كثيرا في البداية وتمثلت لي صورة أمي التي لطالما عاملتني كأنثى، ولم أشأ أن أتحمل عواقب الانفراد باختياري، وفضلت إشراك أسرتي في هذا الموضوع المصيري، ظنا مني أنها ستكون سندي وستضع نصب عينيها مصلحتي الشخصية وميولاتي الطاغية، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فأسرتي كانت حسمت أمرها قبل أن يستشيرني الطبيب ولم تكن لتقبل أن أكون غير حفيظة المسجلة في الحالة المدنية، والتي يعرفها الجميع بأنها أنثى. نحن نعيش في مجتمع لا يرحم، فحتى أمي فكرت في مصلحتها ولم تفكر قط في ما أحسه.
أسرتك إذن هي من قرر تحويلك إلى امرأة؟
بالفعل، فقد طلبوا من الطبيب إزالة قضيبي ولم يتركوا لي إلا جزءا قليلا منه، لكنه ما زال يتحرك ويهيج كلما كانت هناك إثارة، وهذا دليل رجولتي.
كنت وقتها ما تزال تدرس؟
نعم، فكل هذه المشاكل لم تمنعني من مواصلة الدراسة إلى أن حصلت على الباكالوريا في الآداب العصرية. إن حالتي المبعثة للذهول كانت مثار نقاش العديد من الأطباء المختصين. أكثر من ذلك، فحالتي اعتمدتها إحدى الطبيبات وجعلتها أهم شهادة حية على موضوع المخنثين الذي نالت به شهادة الدكتوراه.
هل كانت للعملية آثار جانبية على صحتك؟
في سنة 1995، انتفخ جانبي الأيمن ونقلت على وجه الاستعجال إلى المستشفى، وقال الأطباء إنها بويضة وخضعت لعملية جراحية لإزالتها، وبعد مرور سنة حصل الشيء نفسه مع الشق الأيسر، وبدأ الألم يعتصرني دون أن يستطيع الأطباء تحديد سبب هذا الألم، وظنوا للحظات أن الأمر يتعلق بالبروستات، ليكتشفوا أن الأمر ليس كذلك، وإنما كانت خصية غير ظاهرة، وقد أزيلت لي واحدة وبقيت الثانية. في 1997 بدأ الألم يزداد ولم يتمكن الأطباء من معرفة سببه، وبعد ذلك بسنة اقترح علي الأطباء أن يصنعوا لي مهبلا فوافقت لأتخلص من الآلام التي لم تعد تفارقني لدرجة أصبحت معها أتعاطى للحقن المهدئة بشدة هروبا من الألم. أصبحت في تلك اللحظة أبحث فقط عن الخلاص، رجل أو امرأة لم يعد يهمني الأمر، ما كان يشغلني هو أن تحدد هويتي وجنسي حتى أستطيع العيش بسلام، فخضعت للعملية وزرع لي مهبل اصطناعي، وهنا تولدت مشاكل أخرى.
إلى أي حد يؤثر فيك وضعك كخنثى؟
إلى ما لا نهاية، إنه إحساس عميق وقاتل بالدونية والاختلاف عن باقي بني البشر.. الاختلاف عن الطبيعة. إنه موت بطيء بأبشع وأحقر الطرق، الخنثى في المجتمعات العربية هم المعذبون في الأرض. أنا لم أختر حياتي هذه، ولم أتحكم في أنني ولدت بتشوه أو عيب... لكنني وحدي من يدفع الثمن وسط مجتمع متخلف لا يرحم. فخلال السنوات الأخيرة، زادت عقدتي تأزما، إذ أحسست أنني أعيش فقط، دون أن أعرف من أنا، فلا أنا امرأة ولا أنا رجل، لذلك فكرت مرارا في الانتحار عن طريق تناول كمية كبيرة من الحبوب المهلوسة وبعض المواد الكيماوية. وأدمنت منذ مدة على تناول الحبوب المهلوسة، وكنت أعيش دائما فاقدا الوعي، إذ لم أكن أرغب في الإدراك أو التفكير في أي شيء... رغم أنني أحب الحياة. بعد محاولة الانتحار هذه نقلت على وجه السرعة وخضعت لغسيل المعدة وشدد الأطباء علي الحراسة خوفا من إعادة التجربة، ورغم ذلك حاولت الانتحار من جديد داخل المستشفى وتم نقلي على إثرها إلى مستوى الرازي للأمراض النفسية، حيث مكثت هناك خمسة أشهر تناوب الأطباء خلالها على حقني بمواد مهدئة لتجاوز الحالة الهستيرية التي أصبحت عليها. لقد صرت عنيفا أكثر من ذي قبل، لذلك اضطر الأطباء إلى حجزي في غرفة لوحدي لأنني كنت أعتدي على باقي الفتيات. كل الفتيات اللواتي كن معي في الغرفة كن يرين في رجلا وسطهن، ولطالما عامَلْنني كذلك، وأنا بدوري كنت أمارس دور الرجل هناك، حيث ربطت علاقات مع بعضهن، لدرجة أن إحداهن أصبحت تنام معي في فراشي، ولما وصل الخبر إلى الإدارة أعادوني إلى غرفة أخرى مكثت فيها لوحدي. ولما غادرت المستشفى عدت إلى المنزل، وعدت إلى غرفتي المنعزلة فوق السطوح، أعيش وحيدا مع أحزاني وسجائري ومخدراتي... كل أفراد الأسرة كانوا يتجنبونني، حتى أكلي كان يصلني إلى الغرفة التي أعيش فيها وحيدا. إنها قمة الإقصاء والنبذ والتهميش والتحسيس بالدونية. صديقتي تنادي على باسم عثمان
هل تربط علاقات مع بعض الفتيات؟
بعد خروجي من المستشفى ربطت علاقة مع صديقة جديدة لم تكن تعرف مشكلتي. وتطورت علاقتنا وتوطدت، وأصبحنا نتبادل القبل... ذات مرة، وبينما كنا وحيدين في مكان منعزل نعيش لحظات حميمية اكتشفت الأمر، مما اضطرني لأحكي لها تفاصيل قصتي الغريبة. أبدت صديقتي تفهما مصطنعا، خصوصا وأنني أخبرتها بأن الأطباء وعدوني بإجراء العملية وتغيير جنسي إلى رجل، واستمرت علاقتنا إلى الآن على أمل أن ينفذ الأطباء هذا الوعد الخلاص.
كيف تعاملك صديقتك؟
صديقتي تنادي على باسم عثمان، علاقتنا محددة، فهي المرأة وأنا الرجل.
ألم تكن تخشى بأن تعرف قصتك؟
ذات مرة حصل ما كان منتظرا. كنا منزوين في مكان ما وعشنا لحظات جميلة، غير أن هذه اللحظات تحولت في لمح البصر إلى سراب، بل إلى عذاب. أتعلمين ماذا قالت؟ قالت لي "إنني أحتاج الآن إلى رجل". نزلت هذه الكلمة التي لن أنساها ما حييت كالصاعقة. لكنني أجبتها في الحين قائلا: "كنت كذلك... كنت رجلا... وكان لي قضيب وقد أكلته القطط في مستشفى ابن سينا".
هل انقطعت علاقتكما؟
لا، أبدا، فقد وعدتها بأنني سأجري العملية. لطالما برهنت لها عن حبي لدرجة وشمت اسمها على كتفي. أخبرتها بأننا سنعيش معا سواء هنا بالرباط أو بعيدا عن أعين الناس الذين يعرفوننا. مرت الأيام، واقنتعت الى حد ما بكلامي، غير أنها ستصفعني من جديد صفعة قوية عندما ناقشتني في موضوع الإنجاب